"الرغبة بامتلاك الذهب ليست رغبة بالذهب بحد ذاته, بل بما يمثله من حرية واستقلال" رالف والدو إيميرسون
على مر العصور, عشق الناس الذهب وسعوا لامتلاكه نظرا لجماله ولمعانه. بدأت البشرية باستخدام الذهب تجاريا في الشرق الأوسط منذ أكثر من 2500 عام. في الوقت الحاضر، يعتبر الذهب أقدم شكل من أشكال المال. ويبدو أن الذهب يمثل أصلا آمنا حقا, فقد احتفظ هذا المعدن بقيمته ومكانته على امتداد أكثر من ألفي عام على الرغم من جميع الحروب، الكوارث، والتغيرات العالمية.
على الرغم من محافظة الذهب على قيمته على المدى الطويل, فقد ارتفع وتراجع عدد متداوليه عدة مرات في العقود الأخيرة. طوال 20 عاما حتى بداية الألفية الثالثة, تراجع الذهب أمام النمو الاقتصادي الهائل لسوق الأوراق المالية. وبالتالي, تراوح سعره بين عامي 1982 و2002 بين 300$ و 500$ للأونصة.
مع بداية الألفية الثالثة, عاد الاهتمام بالذهب إلى الواجهة مجددا ببطء ولكن بخطى ثابتة, وصولا إلى الازدهار الحقيقي خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008. في أواخر عام 2011, ارتفعت أسعار الذهب بشكل كبير متخطية حاجز الـ 1900$. في هذه المقالة, سنضيء على العوامل الرئيسية التي تؤثر على أسعار الذهب, إضافة لأساليب التداول الأكثر استخداما, والاستراتيجيات الأكثر نجاحا.
القوى المؤثرة على أسعار الذهب
يعتبر الذهب من الأصول المالية الأكثر تعقيدا. فهو مشابه للعملات الأساسية كالدولار الأمريكي واليورو من حيث الاستقرار, القوة, الوفرة والسمعة العالمية الممتازة, ولكنه على عكسها لا يعتبر مدعوما من قبل اقتصاد رئيسي مكون من عمال وشركات وبنى تحتية.
وهذا يعني أن الذهب له خصائص فيزيائية قياسية ويعتبر أقرب للسلع الأرضية كالنفط والذرة. لكن سعر الذهب, على عكس السلع الأخرى, يختلف في كثير من الأحيان عن سعري العرض والطلب الصناعيين.
تتأثر الترندات الرئيسية للمعدن الأصفر بالانطباع العام للمتداولين والحركة التي تنتج عن ذلك. يمكن تقسيم متداولي الذهب إلى فئتين رئيسيتين. الأولى تضم من يعتقد أن سعر الذهب يجب أن يكون أعلى من 10000$ للأونصة, لأن البنوك المركزية تسيء إلى عملاتها. بينما يعتقد متداولو المجموعة الثانية أن سعر الذهب يجب أن يكون قريبا من 100$ لكونه عنصرا من الماضي ولا يملك أية قيمة في الحاضر ولا في المستقبل. يظهر الرسم البياني الأول أن الذهب فقد بعضا من بريقه, بينما بدت شعبيته في منتصف وأواخر العقد الأول من الألفية الثالثة -2000s- أقرب إلى الجنون.
لا يعتبر الذهب مصدرا للدخل على مبدأ الفائدة (%). عندما ترتفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية - الاقتصاد الرئيسي في العالم - يتراجع الطلب على الذهب حيث يفضل المتداولون استثمار السندات والأدوات المالية الأخرى. وعندما تتراجع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية, يرتفع الطلب على الذهب ويزداد سعره. ولذلك يجب على متداولي الذهب مراقبة أسعار الفائدة الأمريكية.
الارتباط بين الذهب والدولار الأمريكي هو السبب الرئيسي للتباين بين متداولي الذهب. من المنطقي اعتبار العلاقة بين هذين الأصلين تناسبا عكسيا, حيث يتم تسعير الذهب بالدولار الأمريكي. يتحرك سعرا الذهب والدولار الأمريكي باتجاهين متعاكسين. ببساطة, عندما يرتفع سعر الدولار, يلزم عدد أقل من الدولارات لشراء أونصة من الذهب. وعلى نفس المبدأ, عندما ينخفض سعر الدولار, يلزم عدد أكبر من الدولارات لشراء أونصة ذهب.
وفي الوقت نفسه, فإن الأمر ليس بهذه البساطة. في معظم الأحيان, تعتبر العلاقة بين الدولار الأمريكي والذهب مشابهة لما ذكر أعلاه. ومع ذلك, خلال فترات الأزمة العالمية, كما حدث في 2009 مثلا, وغيرها من الفترات التي تشهد شكوكا كبرى, يرتفع سعر الدولار الأمريكي والذهب في الوقت نفسه. وهذا يحدث بسبب اعتبار المتداولين لكليهما استثمارات آمنة.
كما هو الحال بالنسبة لأية تداول أخرى, لا توجد طريقة واحدة "مفضلة" لتداول الذهب. ومع ذلك, يمكن استخدام استراتيجيات التداول الفنية المطبقة على أدوات التداول الأخرى في سوق الذهب أيضا. وهذا يعتبر ناجحا بسبب ميل الذهب لتشكيل ترندات طويلة الأمد. وبالتالي, نجح العديد من المتداولين في تطبيق الاستراتيجيات التي تستند إلى خطوط الترند, تحليلات فيبوناتشي, ومذبذبات الإفراط في الشراء/البيع مثل مؤشر القوة النسبية RSI ومؤشر العشوائية.
استراتيجية التداول على المدى القصير: اختر قمة الترند مع تقاطع متوسط متحرك
الطريقة المثلى للربح من ترندات الذهب هي استراتيجية تقاطع المتوسطات المتحركة. وفقا لهذه الاستراتيجية, يسعى المتداول لشراء الذهب إذا تقاطع متوسط متحرك قصير الأمد مع متوسط متحرك طويل الأمد متجها للأعلى, ولبيعه إذا قام بالشيء نفسه متجها للأسفل.
ينقسم المتداولون من حيث تعريفهم للمدى "الأفضل" للمتوسطين المتحركين. أحد الحلول المثلى هو تقاطع متوسطات متحركة من 10 فترات و60 فترة على المخطط الساعي (1 ساعة). هذا الإعداد يسمح للمتداول عادة بالتداول بنجاح في منتصف الترند. ومع ذلك, لا يمكن ضمان نتائج مماثلة لاحقا. طريقة تطبيق هذه الاستراتيجية في سوق الذهب موضحة على الرسم البياني.
الخط الأخضر هو المتوسط المتحرك 10-ساعات والخط الأزرق هو المتوسط المتحرك 60-ساعة. انخفض الخط الأخضر إلى ما دون الأزرق عند 1.299.45$. ومع انخفاضهما معا إلى ما دون الانخفاضات السابقة, اعتبر ذلك إشارة بيع. في الحقيقة, فإن انخفاض مخطط السعر سمح للمتداول بتحقيق الربح من خلال فتحه لصفقة بيع. ومن ثم, اقترب الخط الأخضر من الخط الأزرق. إذا ارتفع الخط الأخضر إلى أعلى الأزرق, تعتبر إشارة لشراء الذهب.
تساعد هذه الاستراتيجية المتداولين على القبض على منتصف الترند. ومع ذلك, فإن استخدامها عندما لا يكون هناك ترند واضح للذهب بحيث يراوح مكانه في نطاق أفقي, قد يتسبب بسلسلة من الصفقات الخاسرة. وبالتالي, يفضل أن يبني المتداول هذه الاستراتيجية مع استخدام مؤشرات أخرى لتطوير ربحه على المدى الطويل.
استراتيجة التداول على المدى الطويل: اتبع مستوى أسعار الفائدة الحقيقية
يمكن للمستثمرين والمتداولين على المدى الطويل التركيز على العوامل الأساسية المؤثرة على سعر الذهب, وتحديدا على مستوى أسعار الفائدة الحقيقية. أسعار فائدة أقل تعني سعرا أعلى للذهب.
يفكر المتداولون على المدى الطويل عادة بالشراء عندما تكون العوائد الحقيقية أقل من 1%. وهم يستخدمون العائد على سندات الخزانة المحمية (TIPS) كبروكسي لأسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة الأمريكية. وبالعكس, إذا كان عائد (TIPS) أعلى من 2%, يركز المستثمرون على صفقات البيع. دون شك, يعتبر الرابط بين العائدات الحقيقية وأسعار الذهب هاما على المدى الطويل. بينما يمكن لمتداولي الذهب على المدى القصير تجاهل مستوى أسعار الفائدة.
إن إمكانية استخدام فلتر أسعار الفائدة الحقيقية هي من بين الخيارات الخاصة التي يمكن للتجار تطبيقها لامتلاك أفضلية عند تداول الذهب. وعلى العموم، يوفر تداول أقدم "عملة" في العالم مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات, وفرصا لا محدودة.